Tuesday, May 1, 2012

في ذكرى يوم العمّال: فلنذكر عمّال الوطن المنسيين


سوف تتعلم الأجيال الآتية المساواة من الفقر والمحبّة من الحزن- جبران خليل جبران




لبضعة أشهر مضت وحتى الآن كانت مدن اليمن تغرق في أكياس متنوعة الألوان: حمراء، زرقاء، خضراء، وصفراء... لم تكن ورودا زاهية ولا زهورا متألقة، ولكنها أكياس زبالة طغت على كل مدن اليمن مما جعل المناطق تفوح بروائح لا تطاق تزكم الأنوف، واهم من ذلك ماتسببه من إنشار الأمراض على نحو واسع.

لم يعرف الناس مقدار ما يقدمه عمال النظافة من خدمات لهم حتى رأوا ما أمامهم وبدأوا يتساءلون عن سبب ذلك وعرفوا انه بسبب إضراب عمّال النظافة لكنهم لم يحسوا بما يعانية هؤلاء من اضطهادن وتهميش، وسوء معاملة، جعلتهم يتخذون الإضراب-وهم على حق فيه- وسيلة مطالبة بتحسين اوضاعهم ورفع معاشاتهم، وتثبيتهم في أعمالهم، واعطاءهم حقوقهم.

بدأ الناس يتسائلون عن أسباب الإضراب، و غضب أحد عقال احد الحارات من هذا الوضع السيء، وصمم ان يزور العمّال في بيوتهم كي يأمرهم بالعودة إلى العمل. وللعلم فأغلبية العمّال ممن يسمّون بـ "المهمشين" او كما يسمون باسم اشد قسوة وأكثر مهانة وهي "الأخدام". وهم بطبيعة الحال لم يولدوا مهمشين، ولم يولدوا اخداما، بل ولدوا أحرار، وكلنا ايضا أحرار في هذه الدنيا، ولكن الأنظمة الظالمة لم تكتف بالتسمية فقط، بل طبقت عليهم قوانين المذلة أيضا، ومع اني لا احب ان استخدم الكلمتين إلا ان المجتمع هو الذي همشهم ومن ثم فاأنا اشير اليهما كتشخيص حالة مرضية لا إقرار واقع.

عندما وصل عاقل الحارة إلى "السمسرة" التي يعيشون فيها أصيب بصدمة نتيجة مارأى من ظروفهم المعيشية التعيسة فوجدهم يسكنون في مكان ضيّق ومغلق مكتظ بمن فيه، يتكدس بعضهم فوق بعض كعلب السردين في مكان ليس به صرف صحي، ولا مشروع ماء، ولا كهرباء. هذه المنطقة تبعد ١٠ دقائق فقط من منزل عاقل الحارة ولكنها تبعد ألآف الأمتار من واقع حياته وجيرانه.

جلس عاقل الحارة ليتحاور مع مجموعة من عمّال النظافة وطلب منهم أن يعودوا إلى العمل، فبدأوا يشرحون له بعضا من معاناتهم وسبب إضرابهم، وبعد ساعة من الحديث تضامن عاقل الحارة معهم ومع مطالبهم، وبهذا التضامن أثبت انسانيته.

إن عمّال النظافة محرومين من عقود ملزمة، رواتب عادلة، ضمان صحي، و تثبيت في العمل. يشتغلون كمتعاقدين يوميا بمبلغ يتراوح ما بين ٦٠٠ إلى ٧٠٠ ريال يمني في اليوم لمدة ٣٦٠ يوم في السنة حتى في الأعياد "فلا عطل، ولا إجازات، ولا تأمين إجتماعي، أو صحي، ولا تحسب لهم سنين الخدمة التي يخدمونها في "وطنهم" قال حيدر سويد رئيس جميعة أصدقاء النظافة بالاضافة إلى تلك المعاناة فهم لا يحصلون على أيه علاوات سنويّة. فهم "ليسوا خاضعين لسلم الوظائف المدنيّة وهذا يحرمهم من الترقية والترفيع. فالعامل الذي له ١٨ عام كالذي له يوم واحد" أضاف حيدر سويد.

عملهم صعب وشاق ومع ذلك فهم يعملون من دون ضمانات صحية، وهم أكثر عرضة من غيرهم للأمراض حيث لا توجد لديهم ملابس وقائيّة تصونهم من الأمراض، وإذا مرضوا فليس لهم ضمان صحي. ظلمات بعضها فوق بعض.

لا تتمسك الدولة بمعايير التوظيف القانونيّة عند تشغيل عمّال النظافة، وبالتالي فإن عددا كبيرا من الأطفال دون السن القانونيّة يعملون في النظافة، كما تواجه النساء العاملات في النظافة مشاكل كبيرة أثناء الحمل أو الرضاعة أو الولادة، كما يتعرضن إلى التحرش والإغتصاب. ولا من سائل ولا من مجيب، وخاصة وهن لايستطعن ان يرفعن قضية ضد الجاني بسبب الخوف، وعدم توفير المال، وعدم توفير أي نوع من الحماية القانونيّة.

باختصار فالدولة بشكل دائم لا تتعامل جديّا مع قضايا الانتهاكات الجسديّة والجنسيّة والتميير القائم على أساس اللون ضد المهمشين وخاصة عمّال النظافة.
بسبب هذه الانتهاكات ضد حقوقم قامت النقابة بترتيب إضراب شامل في كل مدن الجمهوريّة مما أدى الى إصدار قرار مجلس الوزراء رقم (٤٦) لعام ٢٠١٢ مؤخرا بتثبيت عمّال النظافة واعتبارهم كموظفين رسميين، وهذه خطوة جيدة لأنها ان طبقت ستعطي العمّال حقوقهم وايضا ستكون حاجزا ضد الفساد الاداري الذي كان يستفيد منه البعض بالتعاقد يوميّا مع أسماء وهميّة لسرق الأموال.لكن الاجراءات ما زالت قائمة.والبرقراطية ماتزال تعمل، وبقية العوائق معروفة.

لقد قدم عمّال النظافة مهلة ثلاثة اشهر للحكومة حتى تنفذ القرار ، لأن هذا ليس أول قانون يقر مطالب تثبيت العمّال. ففي ٢٠٠٨ صدر قرارين رسميين ٢٩٢ و٥١٧ من وزيري الخدمة المدنية والتأمينات يتضمنا موافقة وزارة الخدمة المدنية والتأمينات على تثبيت عمّال النظافة واعتبارهم موظفين حكوميين مع مساواتهم بزملائهم في كل الحقوق. والى اليوم وبعد مضى أربع سنين فإن هذا القانون لم يطبق، وكذلك بقية القوانين التي صدرت بهذا الخصوص . ومن هنا علينا ان نطالب ونضغط على الحكومة الانتقاليّية بتطبيق هذا القانون وجعله من أولويّات الدولة، كما يجب أن توضع قضية عمّال النظافة في جدول أعمال الحوار الوطني، ومن اولوياته.

الواقع المر الذي عادة ما نحاول ان ننساه هو أن التمييز ليس فقط تمييز رسمي ولكنه ايضا أجتماعي أي من المجتمع نفسه. صحيح ان الدولة لم تصر على ادماج المهمشين مع بقية المجتمع وكرست مبادئ التمييز ولكن ليست المشكلة مشكلة دولة فقط ولكنها مشكلة ثقافيّة إجتماعية.

عادة ما يتعرض المهمشون إلى تمييز وعنصريّة وعنف من اخوانهم اليمنيين و كما أن البعض يرفض ادماجهم في المجتمع ويريد التفرقة بينهم وباقي المجتمع وكأنهم خائفين من "عدوى”. هناك قائمة من الأمثال الشعبيّة مثال حي للثقافة السائدة: (ومن صاحب الخادم بكّر نادم) و (إذا أكل الكلب من وعائك اغسله وإذا أكل الخادم من وعائك اكسره). ولذلك على الدولة أن تأخذ الإجاراءات اللازمة لدمج المهمشين مع باقي المجتمع ونشر الوعي ضد هذه الانتهاكات وايضا تجريم التمييز.

في ذكرى يوم العمّال دعونا فعلا نجعله تذكيرا جهيرا بحقوق عمّال النظافة عمّال الوطن. ولا ننسى أنه بينما يكون الكثيرون منا في عطل رسمية يكونون هم يعملون ويشتغلون في اليوم الذي من المفروض ان يكرموا فيه.

اشكروهم وقدروهم واذكروا اننا كلنا من ابناء نفس الوطن، فكلنا سواسية ولا فرق بين احد. قفوا معهم وساندوهم في مطالبهم الشرعيّة وعندما ينظموا وقفة احتجاجيّة انضموا إليهم واجعلوا هذه القضية قضيّة وطن. أليست الحريّة والعدالة والمساواة للجميع مطالب كل ثورة حقيقية؟

No comments: